إن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الموجود بين أيدي الناس اليوم محفوظاً بحفظ الله تعالى. والذي به تحدث ربنا، تبارك وتعالى، كلاًّ من الإنس والجن أن يأتو بمثل هذا القرآن مجتمعين. وقد عجزت القدرات البشرية، ولا تزال عاجزة عن أن تداني كتاب الله في روعة بيانه، أو في كمال صفاته، ودقة دلالاته، وصدق أنبائه، وروعة معانيه، وعدالة تشريعه، ومكارم الأخلاق التي يدعو إليها، وضوابط السلوك التي وضعها، وسموّ العقائد التي رسخها، والعادات التي شرعها، والحقائق التاريخية العلمية التي أوردها.
وكذلك عجزت القدرات البشرية ولا تزال عاجزة عن محاكاة القرآن الكريم في نهجه وصياغته، وفي تمام إحاطته بطبائع النفس البشرية، وقدرته على التعامل منها وعلى هدايتها، وفي دقة إستعراضه لمسيرة البشرية، من لدن أبينا آدم عليه السلام، إلى بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام.
من هنا كان وصف القرآن الكريم بأنه معجز في كل أمر من أموره، بمعنى عجز البشرية جميعاً عن الإتيان بشيء من مثله. أما السنة النبوية المطهرة فإن الأحاديث النبوية الشريفة تضم قدراً من الحقائق العملية التي لم يكن ممكناً لأحد من البشر أن يلم بها أو بشيء ومنها في زمن الوحي، ولا لقرون طويلة بعد زمن الوحي وذلك لعدم توافر أدوات الكشف ومنهجياته.
وهذه الإشارات العلمية في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يشهد له بالنبوة والرسالة، وذلك في زمن العلم الذي يعيشه. من هنا كان القول بــ(الإعجاز العملي في السنة النبوية الكريمة)، ومن هنا أيضاً كان إهتمام الدكتور زغلول النجار بقضيتي الإعجاز العلمي في كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فهماً لهما، وإثباتاً لفضلهما، ودعوة الناس جميعاً إلى الإيمان بهما لكونهما طوق النجاة في الدنيا والآخرة، وذلك باللغة الوحيدة التي يفهمها أهل هذا العصر هي لغة العلم.
لأجل ذلك يأتي هذا الكتاب الذي يمثل مدخلاً إلى دراسة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة والنبوية المطهرة. وقد حرص الدكتور النجار على إيراد الكثير من الإشارات الكونية الواردة في كل من آيات القرآن الكريم والحديث الشريف الدالة على ذاك الإعجاز المصاغة صياغة مجملة معجزة يفهم منها أهل كل عصر معنى من المعاني والتي تتسع بإتساع دائرة المعرفة الإنسانية بإستمرار في تكامل لا يعرف التضاد.
ويذكر الدكتور النجار بأن الإشارات الكونية جاءت في أكثر من آية صريحة، بالإضافة إلى آيات عديدة تقترب دلالتها في الصراحة، ذاكراً بأن هذه الآيات الكونية إنما تشكل سدس مجموع آيات القرآن، بالإضافة إلى أن الأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بالكون ومكوناته وظواهره كذلك تجاوزت المئات في العدد وقد أورد الكثير منها في مجال تبيانه للإعجاز العلمي الوارد فيها.