نستهب أعمال الفارابي المنطقية بهذا الكتاب الذي ضم مبحثي الحد والقضية، بحسب التصنيفات التقليدية لعناصر المنطق المنقسمة على ثلاثة: حد وقضية وقياس، والمؤتلفة كلاً واحدا معيارا وآلة، كما صنفها العرب والمسلمون في توزيعهم العلوم والصناعات ووصفها.
والحد والقضية بحثان مستقلان من مجموعة مؤلفات منطقية بعنوان "الجُمَع المنطقية".
ولعل هذا التحقيق يبرز للعيان أبحاثا لم تودع في كتاب ينشر مليا ويسلط الضوء على موضوعاته جليا، ليتعرف القارئ على نصوص تتصف فيما تتصف بالريادة التاريخية، فهي بمثابة الصنيع الأول في الفكر الإسلامي. إذ لم يصلنا إلى حينه من سبق الفارابي في الهضم والتأليف المنطقيين وبهذه الصيغة الشمولية باستثناء كتابات الكندي المفقود أكثرها كما سنذكر.
ولا عجب أن يكنى الفارابي بالمعلم الثاني فهو من أوائل من بلور منطق المعلم الأول أرسطو وطبعه بطابع العربية لغةً، معلقا وشارحا، مؤلفا وهاضما، واسما البعض من الأبحاث بسمات إسلامية المعاني والأبعاد. فعمله هذا مِفصل بين حقبة وحقبة، وباكورة تتابعت مجرياتها لاحقا من ابن سينا فالغزالي إلى ابن رشد وغيرهم.
شق بحثا الحد والقضية في منطق الفارابي طريقهما ضمن جملة أبحاث وكتب جمعت [ها هنا، وهي: التوطئة في المنطق، الفصول الخمسة، المدخل أو ايساغوجي، كتاب المقولات وكتاب العبارة.
وإننا استفتحنا هذه النصوص بمقدمة هي مثابة التعريف العام بمنطق الفارابي ومصادره ومخطوطاته وأصناف المؤلفات المنطقية، إلى جانب وصف عام لكيفية تحقيق التراث ونشره.
كما ألحقت نصوص الحد والقضية بفهرس لمصطلحاتهما لما تلبسه الألفاظ من لبوس يحمل في طياته الخصوصية اللغوية والذهنية.