يقول المصنف في مقدمة كتابه: هذا كتاب جمعت فيه أدلة الأحكام (آياتها، وأحاديثها وإجماعاتها)، أما الآيات فلم أعد فيه إلى كتاب بعينه، لقربها من الذهن وتذكر أكثرها بأدنى تدبر، فقد يسر الله تعالى الذكر، على الألسنة تلاوة، وعلى العقول فهماً، وفي القلوب حفظاً، وفي الآيات ما ليس بصريح في حكم من الأحكام، ووضعتها على محض إجتهاد، مستمداً التفهيم والتوفيق من الرحمن، جلّ جلاله، وفيها ما استُدِلّ به، وطائفة منها موضع إستنباط وإشارة، فيها مأنس للمنفعة والمتدبّر والقارئ.
وسيرى القارئ بعض المسائل خالية من الإستدلال بآية؛ لدخولها في عموم سبق نظيره، أو لأن الإستنباط لها موضع تتكلف، وأما الأحاديث فهي مأخوذة من كتاب (المنتقى) للمجدّ ابن تيمية، و(فتح الغفار) للرباعي، و(غاية الإِحْكام في أحاديث الأَحْكام) للمحب الطبري، والأصل هو (المنتقى) أو (نيل الأوطار) نصيت على ترتيبه وترجمته للأبواب في أكثر مسائل الكتاب، وقد زدت ونقصت، وأثبت ما استدركه الرباعي، وأضفت إليه طائفة من المسائل التي لم تذكر، بعضها من (السنن الكبرى)، وبعضها من (المحلى) أو (المُغني) ولم أثبت حديثاً ضعيفاً إلا مع بيان ضعفه، ولا أثبته إلا إذا كان عمدة بنى عليه بعض الفقهاء حكماً من الأحكام، أولاً دليل لهم من صريح السنة سواه.
وأما الإجماع فهو دليل قوي إذا كان متيقناً، لم يجمعوا على تعريفٍ واحدٍ للإجماع، بل اختلفوا فيه، غير أنهم أجمعوا انه إذا تحقق وقوعه، فإنه لا تجوز مخالفته، ومن المراجع الاولى في الإجماع وهي أدقها وأحقها بهذا الإسم، كتاب (مراتب الإجماع) لإبن حزم، ثم كتاب (مسائل الإجماع) لإبن قطان، فإنني اعتمدت عليه في كثير من إجماعاته: وضممت إلى ذلك طائفة من الموسوعات التي جُمَعِتْ في هذا العصر، كموسوعة الإجماع عند ابن تيمية، وإجماعات ابن عبد البر، ومن الإجماعات ما هو منقول من (المحلّى)، أو (النيل)، أو (الفتح).
وأما ما كان في الكتاب في تعليق على دليل، أو قول، وما كان فيه من إختيار أو ترجيح، فمحض إجتهاد، أرجو أني أصبت فيه الصواب... هذا فقد صنف المصنف كتابه هذا على منهج أهل الأثر، أو أهل الحديث أو أهل الظاهر، إذ هو يذكر بأن منهج أهل الظاهر هو منهج السواد الأعظم الذي كان عليه الناس قبل وجود المذاهب من الصحابة ومن بعدهم التابعين، وسائر أئمة الحديث الذين فيهم أصحاب الكتب الستة، وقد تم ترتيب الكتاب ضمن أبواب ثمانية أبواب وهي على التوالي: 1-العبادات (الطهارة (المياه وغيرها)، الصلاة، الزكاة، الصيام، الإعتكاف، المناسك، الهدي والأضاحي)، 2-المعاملات (البيع، العقد، الربا، الرهن، الحوالة، القرض، الوكالة، الصلح وأحكام الجوار، الغضب والضمانات، الإجارة، العتق، الوديعة والعارية، اللقطة، الهبة والهدية)، 3-الأنكحة (الحث على النكاح)، الفصل، الصداق، الوليمة، الطلاق، العدد، الرضاع، الخُلعْ الظهار، اللعان)، 4-الجنايات (القصاص، القسامة، الحدود)، 5-الأطعمة والأشربة (الأشربة، آداب الشرب، الأطعمة، الصيد، الذبائح، الميتة آداب الأكل، الضيافة)، 6-الجهاد وأحكام أهل البغي (فضل الجهاد والرباط في سبيل الله، الدعوة قبل القتال، ترتيب الجيش، الغنيمة وتخميسها، أحكام أهل البغي)، 7-الأقضية (وجوب نصب ولاية القضاء والإمارة للحكم بما أنزل الله، ولاية المرأة لأمر الناس، في الحاكم عن الرشوة، النهي عن الحكم في حال الغضب، هل يقضي القاضي بما يعلم؟، من لا يجوز الحكم بشهادته...)، 8-أبواب متفرقة (الوصايا، الميراث، الطب، الإيمان وكفارتها، النذر، السبق والرمي، النهي عن حبس البهائم، تحريم القمار واللعب بالزد، آلة اللهو والغناء، باب إلقاء السلام ورده).
Al-Musaffa fî Fiqh Ach-Charî‘a المصفى في فقه الشريعة